فصل: باب وُجُوبِ النَّفِيرِ وَمَا يَجِبُ مِنْ الْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الشَّجَاعَةِ فِي الْحَرْبِ وَالْجُبْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشجاعة في الحرب والجبن‏)‏ أي مدح الشجاعة وذم الجبن، والجبن بضم الجيم وسكون الموحدة ضد الشجاعة

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ وَقَالَ وَجَدْنَاهُ بَحْرًا

الشرح‏:‏

حديث أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وسيأتي شرحه بعد عشرين بابا، ومضى بعض شرحه في آخر الهبة‏.‏

وقوله ‏"‏وجدناه بحرا ‏"‏ أي واسع الجري‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْطُونِي رِدَائِي لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا

الشرح‏:‏

حديث جبير بن مطعم في مقفله صلى الله عليه وسلم من حنين، والغرض منه قوله في آخره ‏"‏ ثم لا تجدونني بخيلا ولا جبانا ‏"‏ وسيأتي شرحه في كتاب فرض الخمس‏.‏

وعمر بن محمد بن جبير بن مطعم لم يرو عنه غير الزهري، وقد وثقه النسائي، وهذا مثال للرد على من زعم أن شرط البخاري أن لا يروي الحديث الذي يخرجه أقل من اثنين عن أقل من اثنين، فإن هذا الحديث ما رواه عن محمد بن جبير غير ولده عمر، ثم ما رواه عن عمر غير الزهري، هذا مع تفرد الزهري بالرواية عن عمر مطلقا، وقد سمع الزهري من محمد بن جبير أحاديث، وكأنه لم يسمع هذا منه فحمله عن ولده والله أعلم‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ مقفله ‏"‏ بفتح الميم، وسكون القاف وفتح الفاء وباللام يعني زمان رجوعه، وقوله فعلقت بفتح العين وكسر اللام الخفيفة بعدها قاف‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فطفقت ‏"‏ وهو بوزنه ومعناه‏.‏

وقوله ‏"‏اضطروه إلى سمرة ‏"‏ أي ألجؤوه وإلى شجرة من شجر البادية ذات شوك، وقوله ‏"‏فخطفت ‏"‏ بكسر الطاء، وقوله ‏"‏العضاه ‏"‏ بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة وفي آخره هاء هو شجر ذو شوك، يقرأ في الوصل وفي الوقف بالهاء، وقوله ‏"‏نعم ‏"‏ بفتح النون والغير كذا لأبي ذر بالرفع على أنه اسم كان‏.‏

و ‏"‏ عدد ‏"‏ بالنصب خبر مقدم، ولغيره، ‏"‏ نعما ‏"‏ بالنصب إما على التمييز وإما على أنه الخبر وعدد هو الاسم، والله أعلم‏.‏

*3*باب مَا يُتَعَوَّذُ مِنْ الْجُبْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يتعوذ من الجبن‏)‏ كذا للجميع بضم أول يتعوذ على البناء للمجهول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيَّ قَالَ كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ وَيَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَحَدَّثْتُ بِهِ مُصْعَبًا فَصَدَّقَهُ

الشرح‏:‏

حديث سعد وهو ابن أبي وقاص في التعوذ من الجبن وغيره وسيأتي شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى، وقوله في آخره ‏"‏ فحدثت به مصعبا فصدقه ‏"‏ قائل ذلك هو عبد الملك بن عمير، ومصعب هو ابن سعد بن أبي وقاص، وأغرب المزي فقال في الأطراف في رواية عمرو بن ميمون هذه عن سعد‏:‏ لم يذكر البخاري مصعبا وذكره النسائي، كذا قال، وهو ثابت عند البخاري في جميع الروايات‏.‏

وقوله في أوله ‏"‏ كان سعد يعلم بنيه ‏"‏ لم أقف على تعيينهم، وقد ذكر محمد بن سعد في الطبقات أولاد سعد فذكر من الذكور أربعة عشر نفسا ومن الإناث سبع عشرة وروى عنه الحديث منهم خمسة‏:‏ عامر ومحمد ومصعب وعائشة وعمر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ

الشرح‏:‏

حديث أنس بن مالك في التعوذ من العجز والكسل وغيرهما وسيأتي شرحه أيضا في الدعوات، والفرق بين العجز والكسل أن الكسل ترك الشيء مع القدرة على الأخذ في عمله، والعجز عدم القدرة‏.‏

*3*باب مَنْ حَدَّثَ بِمَشَاهِدِهِ فِي الْحَرْبِ

قَالَهُ أَبُو عُثْمَانَ عَنْ سَعْدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من حدث بمشاهده في الحرب، قاله أبو عثمان‏)‏ أي النهدي ‏(‏عن سعد‏)‏ ‏:‏ أي ابن أبي وقاص، وأشار بذلك إلى ما سيأتي موصولا في المغازي عن أبي عثمان عن سعد ‏"‏ أني أول من رمى بسهم في سبيل الله‏"‏، وإلى ما سيأتي أيضا موصولا في فضل طلحة عن أبي عثمان ‏"‏ لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الأيام التي قاتل فيها غير طلحة وسعد، عن حديثهما ‏"‏ أي أنهما حدثاه بذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ صَحِبْتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعْدًا وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حاتم‏)‏ هو ابن إسماعيل، ومحمد بن يوسف هو الكندي وهو سبط للسائب المذكور، والسائب صحابي صغير ابن صحابيين، والإسناد كله مدنيون إلا قتيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسعدا‏)‏ أي ابن أبي وقاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما سمعت أحدا منهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن السائب ‏"‏ صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث واحد ‏"‏ أخرجه ابن ماجه، وسعد بن مالك هو ابن أبي وقاص‏.‏

وأخرج آدم بن أبي إياس في العلم له من هذا الوجه فقال فيه ‏"‏ صحبت سعدا كذا وكذا سنة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد‏)‏ لم يعين ما حدث به من ذلك، وقد أخرج أبو يعلى من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عمن حدثه عن طلحة أنه ظاهر بين درعين يوم أحد، قال ابن بطال وغيره‏:‏ كان كثير من كبار الصحابة لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية المزيد والنقصان، وقد تقدم بيان ذلك في العلم، وأما تحديث طلحة فهو جائز إذا أمن الرياء والعجب، ويترقى إلى الاستحباب إذا كان هناك من يقتدي بفعله‏.‏

*3*باب وُجُوبِ النَّفِيرِ وَمَا يَجِبُ مِنْ الْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ

وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ الْآيَةَ وَقَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ إِلَى قَوْلِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ انْفِرُوا ثُبَاتٍ سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ يُقَالُ أَحَدُ الثُّبَاتِ ثُبَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب النفير‏)‏ بفتح النون وكسر الفاء أي الخروج إلى قتال الكفار، وأصل النفير مفارقة مكان إلى مكان لأمر حرك ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما يجب من الجهاد والنية‏)‏ أي وبيان القدر الواجب من الجهاد ومشروعية النية في ذلك، وللناس في الجهاد حالان‏:‏ إحداهما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والأخرى بعده، فأما الأولى فأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقا‏.‏

ثم بعد أن شرع هل كان فرض عين أو كفاية‏؟‏ قولان مشهوران للعلماء وهما في مذهب الشافعي‏.‏

وقال الماوردي‏:‏ كان عينا على المهاجرين دون غيرهم، ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلى المدينة لنصر الإسلام‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ كان عينا على الأنصار دون غيرهم، ويؤيده مبايعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة على أن يؤووا رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصروه، فيخرج من قولهما أنه كان عينا على الطائفتين كفاية في حق غيرهم، ومع ذلك فليس في حق الطائفتين على التعميم، بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق، وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار ابتداء، ويؤيد هذا ما وقع في قصة بدر فيما ذكره ابن إسحاق، فإنه كالصريح في ذلك، وقيل كان عينا في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها، والتحقيق أنه كان عينا على من عينه النبي صلى الله عليه وسلم في حقه ولو لم يخرج‏.‏

الحال الثاني بعده صلى الله عليه وسلم فهو فرض كفاية على المشهور إلا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو ويتعين على من عينه الإمام، ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور، ومن حجتهم أن الجزية تجب بدلا عنه ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقا فليكن بدلها كذلك، وقيل يجب كلما أمكن وهو قوي، والذي يظهر أنه استمر على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تكاملت فتوح معظم البلاد وانتشر الإسلام في أقطار الأرض ثم صار إلى ما تقدم ذكره، والتحقيق أيضا أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل‏:‏ ‏(‏انفروا خفافا وثقالا‏)‏ الآية‏)‏ هذه الآية متأخرة عن التي بعدها، والأمر فيها مقيد بما قبلها لأنه تعالى عاتب المؤمنين الذين يتأخرون بعد الأمر بالنفير ثم عقب ذلك بأن قال ‏(‏انفروا خفافا وثقالا‏)‏ وكأن المصنف قدم آية الأمر على آية العتاب لعمومها، وقد روى الطبري من رواية أبي الضحى قال ‏"‏ أول ما نزل من براءة ‏(‏انفروا خفافا وثقالا‏)‏ وقد فهم بعض الصحابة من هذا الأمر العموم فلم يكونوا يتخلفون عن الغزو حتى مات منهم أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن الأسود وغيرهم ‏"‏ ومعنى قوله خفافا وثقالا‏:‏ متأهبين أو غير متأهبين نشاطا أو غير نشاط، وقيل رجالا وركبانا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقوله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض‏)‏ الآية‏)‏ قال الطبري‏:‏ يجوز أن يكون قوله تعالى ‏(‏إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما‏)‏ خاصا والمراد به من استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع‏.‏

وأخرج عن الحسن البصري وعكرمة أنها منسوخة بقوله تعالى ‏(‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏)‏ ثم تعقب ذلك، والذي يظهر أنها مخصوصة وليست بمنسوخة والله أعلم، وطريق عكرمة أخرجها أبو داود من وجه آخر حسن عنه عن ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن ابن عباس انفروا ثبات سرايا متفرقين‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه بهذا، أي اخرجوا سرية بعد سرية، أو انفروا جميعا أي مجتمعين، وزعم بعضهم أنها ناسخة لقوله تعالى ‏(‏انفروا خفافا وثقالا‏)‏ والتحقيق أن لا نسخ، بل الرجوع في الآيتين إلى تعيين الإمام وإلى الحاجة إلى ذلك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية أبي ذر والقابسي ‏"‏ ثباتا ‏"‏ بالألف، وهو غلط لا وجه له لأنه جمع ثبة كما سترى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقال واحد الثبات‏:‏ ثبة‏)‏ أي بضم المثلثة وتخفيف الموحدة بعدها هاء تأنيث، وهو قول أبي عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ وزاد‏:‏ ومعناها جماعات في تفرقة، ويؤيده قوله بعده ‏(‏أو انفروا جميعا‏)‏ قال وقد يجمع ثبة على ثبين وقال النحاس ليس من هذا ثبة الحوض وهو وسطه سمي بذلك لأن الماء يثوب إليه أي يرجع إليه ويجتمع فيه لأنها من ثاب يثوب وتصغيرها ثويبة، وثبة بمعنى الجماعة من ثبا يثبو وتصغيرها ثبية، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا هجرة بعد الفتح‏)‏ أي فتح مكة، قال الخطابي وغيره‏:‏ كانت الهجرة فرضا في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى‏.‏

وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت ‏(‏إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها‏)‏ الآية، وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها، وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعا ‏"‏ لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم أو يفارق المشركين ‏"‏ ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعا ‏"‏ أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ‏"‏ وهذا محمول على من لم يأمن على دينه، وسيأتي مزيد لذلك في أبواب الهجرة من أول كتاب المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولكن جهاد ونية‏)‏ قال الطيبي وغيره‏:‏ هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله، والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا استنفرتم فانفروا‏)‏ قال النووي‏:‏ يريد أن الخبر الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة، وإذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ ولكن جهاد ‏"‏ معطوف على محل مدخول ‏"‏ لا هجرة ‏"‏ أي الهجرة من الوطن إما للفرار من الكفار أو إلى الجهاد أو إلى غير ذلك كطلب العلم، فانقطعت الأولى وبقي الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما، بل إذا استنفرتم فانفروا‏.‏

قلت‏:‏ وليس الأمر في انقطاع الهجرة من الفرار من الكفار على ما قال، وقد تقدم تحرير ذلك‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، كانت فرضا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه، والتي انقطعت أصلا هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان‏.‏

وفي الحديث بشارة بأن مكة تبقى دار إسلام أبدا‏.‏

وفيه وجوب تعيين الخروج في الغزو على من عينه الإمام، وأن الأعمال تعتبر بالنيات‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ قال ابن أبي جمرة ما محصله‏:‏ إن هذا الحديث يمكن تنزيله على أحوال السالك لأنه أولا يؤمر بهجرة مألوفه حتى يحصل له الفتح، فإذا لم يحصل له أمر بالجهاد وهو مجاهدة النفس والشيطان مع النية الصالحة في ذلك‏.‏

*3*باب الْكَافِرِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ ثُمَّ يُسْلِمُ فَيُسَدِّدُ بَعْدُ وَيُقْتَلُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم‏)‏ أي القاتل فيسدد بعد، أي يعيش على سداد أي استقامة في الدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقتل‏)‏ في رواية النسفي ‏"‏ أو يقتل ‏"‏ وعليها اقتصر ابن بطال والإسماعيلي، وهي أليق بمراد المصنف ‏"‏ قال ابن المنير‏:‏ في الترجمة ‏"‏ فيسدد ‏"‏ والذي وقع في الحديث ‏"‏ فيستشهد ‏"‏ وكأنه نبه بذلك على أن الشهادة ذكرت للتنبيه على وجوه التسديد، وأن كل تسديد كذلك وإن كانت الشهادة أفضل، لكن دخول الجنة لا يختص بالشهيد، فجعل المصنف الترجمة كالشرح لمعنى الحديث‏.‏

قلت‏:‏ ويظهر لي أن البخاري أشار في الترجمة إلى ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ لا يجتمعان في النار مسلم قتل كافرا ثم سدد المسلم وقارب ‏"‏ الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الزناد‏)‏ كذا هو في الموطأ، ولمالك فيه إسناد آخر رواه أيضا عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أخرجه الدار قطني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يضحك الله إلى رجلين‏)‏ في رواية النسائي من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد ‏"‏ أن الله يعجب من رجلين ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى، وإنما هذا مثل ضرب لهذا الصنيع الذي يحل محل الإعجاب عند البشر فإذا رأوه أضحكهم، ومعناه الإخبار عن رضا الله بفعل أحدهما وقبوله للآخر ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة ثم اختلاف حاليهما، قال‏:‏ وقد تأول البخاري الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة وهو قريب، وتأويله على معنى الرضا أقرب، فإن الضحك يدل على الرضا والقبول، قال‏:‏ والكرام يوصفون عندما يسألهم السائل بالبشر وحسن اللقاء، فيكون المعنى في قوله ‏"‏ يضحك الله ‏"‏ أي يجزل العطاء‏.‏

قال وقد يكون معنى ذلك أن يعجب الله ملائكته ويضحكهم من صنيعهما، وهذا يتخرج على المجاز ومثله في الكلام يكثر‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ويمرونه كما جاء صلى الله عليه وسلم وينبغي أن يراعى في مثل هذا الإمرار اعتقاد أنه لا تشبه صفات الله صفات الخلق، ومعنى الإمرار عدم العلم بالمراد منه مع اعتقاد التنزيه‏.‏

قلت‏:‏ ويدل على أن المراد بالضحك الإقبال بالرضا تعديته بإلى تقول‏:‏ ضحك فلان إلى فلان إذا توجه إليه طلق الوجه مظهرا للرضا عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدخلان الجنة‏)‏ زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة ‏"‏ قالوا كيف يا رسول الله ‏"‏‏؟‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل‏)‏ زاد همام فيلج الجنة، قال ابن عبد البر‏:‏ معنى هذا الحديث عند أهل العلم أن القاتل الأول كان كافرا‏.‏

قلت‏:‏ وهو الذي استنبطه البخاري في ترجمته، ولكن لا مانع أن يكون مسلما لعموم قوله ‏"‏ ثم يتوب الله على القاتل ‏"‏ كما لو قتل مسلم مسلما عمدا بلا شبهة ثم تاب القاتل واستشهد في سبيل الله، وإنما يمنع دخول مثل هذا من يذهب إلى أن قاتل المسلم عمدا لا تقبل له توبة، وسيأتي البحث فيه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى، ويؤيده الأول أنه وقع في رواية همام ‏"‏ ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام ‏"‏ وأصرح من ذلك ما أخرجه أحمد من طرين الزهري عن سعيد بن المسيب على أبي هريرة بلفظ ‏"‏ قيل كيف‏؟‏ يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ يكون أحدهما كافرا فيقتل الآخر ثم يسلم فيغزو فيقتل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد‏)‏ زاد همام ‏"‏ فيهديه إلى الإسلام، ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ يستفاد من هذا الحديث أن كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ مَا افْتَتَحُوهَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْهِمْ لِي فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ لَا تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ فَقَالَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَاعَجَبًا لِوَبْرٍ تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَيَّ قَتْلَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيَّ وَلَمْ يُهِنِّي عَلَى يَدَيْهِ قَالَ فَلَا أَدْرِي أَسْهَمَ لَهُ أَمْ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنِيهِ السَّعِيدِيُّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ السَّعِيدِيُّ هُوَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الزهري‏)‏ في رواية على بن المديني في المغازي عن سفيان ‏"‏ سمعت الزهري وسأله إسماعيل ابن أمية ‏"‏ وفي رواية ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان ‏"‏ سمعت إسماعيل بن أمية يسأل الزهري‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عنبسة‏)‏ بفتح المهملة وسكون النون ‏(‏ابن سعيد‏)‏ أي ابن العاص بن سعيد بن العاص ابن أمية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ في رواية الزبيدي عن الزهري التصريح بسماع عنبسة له من أبي هريرة وسيأتي بيان ذلك في المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعض بني سعيد بن العاص لا تسهم له‏)‏ هو أبان بن سعيد كما بينته رواية الزبيدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت هذا قاتل ابن قوقل‏)‏ بقافين وزن جعفر يعني النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بمهملتين وزن أحمد بن فهم بن ثعلبة بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون بعدها ميم ابن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي، وقوقل لقب ثعلبة وقيل لقب أصرم، وقد ينسب النعمان إلى جده فيقال النعمان بن قوقل، وله ذكر في حديث جابر عند مسلم قال ‏"‏ جاء النعمان بن قوقل فقال‏:‏ يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبات ‏"‏ الحديث‏.‏

وروى البغوي في الصحابة ‏"‏ أن النعمان بن قوقل قال يوم أحد‏:‏ أقسمت عليك يا رب أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة‏.‏

فاستشهد ذلك اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد رأيته في الجنة ‏"‏ ‏"‏ وذكر بعض أهل المغازي أن صفوان بن أمية هو الذي قتله، وهو مرجوح بهذا الحديث الذي في البخاري، ولعلهما جميعا اشتركا في قتله، وسيأتي بقية شرح حديث أبي هريرة هذا في كتاب المغازي، والمراد منه هنا قول أبان ‏"‏ أكرمه الله على يدي ولم يهنى على يديه ‏"‏ وأراد بذلك أن النعمان استشهد بيد أبان فأكرمه الله بالشهادة ولم يقتل أبان على كفره فيدخل النار، وهو المراد بالإهانة، بل عاش أبان حتى تاب وأسلم، وكان إسلامه قبل خيبر بعد الحديبية‏.‏

وقال ذلك الكلام بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأقره عليه، وهو موافق لما تضمنته الترجمة، قوله‏:‏ ‏(‏من قدوم ضأن‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وقع للجميع هنا بالنون، إلا في رواية الهمداني فباللام وهو الصواب وهو السدر البري، قلت وسيأتي في غزوة خيبر بأبسط من هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا أدري أسهم له أم لم يسهم‏)‏ سيأتي في غزوة خيبر في آخره ‏"‏ فقال له يا أبان أجلس، ولم يقسم لهم ‏"‏ واحتج به من قال‏:‏ إن من حضر بعد فراغ الوقعة ولو كان خرج مددا لهم أن لا يشارك من حضرها وهو قول الجمهور، وعند الكوفيين يشاركهم، وأجاب عنهم الطحاوي بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أرسل إلى نجد قبل أن يشرع في التجهيز إلى خيبر فلذلك لم يقسم له، وأما من أراد الخروج مع الجيش فعاقه عائق ثم لحقهم فإنه الذي يقسم له كما أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان وغيره ممن لم يحضر الوقعة، لكن كانوا ممن أراد الخروج معه فعاقهم عن ذلك عوائق شرعية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏)‏ أي ابن عيينة، ووقع في رواية الحميدي في مسنده ‏"‏ عن سفيان وحدثنيه السعيدي أيضا ‏"‏ وفي رواية ابن أبي عمر ‏"‏ عن سفيان سمعت السعيدي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحدثنيه السعيدي‏)‏ هو معطوف على قوله ‏"‏ حدثنا الزهري ‏"‏ وهو موصول بالإسناد الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏السعيدي هو عمرو إلخ‏)‏ هو كلام البخاري، ووقع لغير أبي ذر ‏"‏ قال أبو عبد الله ‏"‏ فذكره‏.‏

*3*باب مَنْ اخْتَارَ الْغَزْوَ عَلَى الصَّوْمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اختار الغزو على الصوم‏)‏ أي لئلا يضعفه الصوم عن القتال، ولا يمتنع ذلك لمن عرف أنه لا ينقصه كما سيأتي بعد ستة أبواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ لَا يَصُومُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ الْغَزْوِ فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَرَهُ مُفْطِرًا إِلَّا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يصوم‏)‏ في رواية أبي الوليد عند أبي نعيم وعلي بن الجعد كلاهما عن شعبة عند الإسماعيلي ‏"‏ لا يكاد يصوم ‏"‏ وفي رواية عاصم بن علي عن شعبة عند الإسماعيلي ‏"‏ كان قلما يصوم‏"‏، فدل على أن النفي في رواية آدم ليس على إطلاقه، وقد وافق آدم سليمان بن حرب عند الإسماعيلي أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا يوم فطر أو أضحى‏)‏ أي فكان لا يصومهما، والمراد بيوم الأضحى ما تشرع فيه الأضحية فيدخل أيام التشريق، وفي هذه القصة إشعار بأن أبا طلحة لم يكن يلازم الغزر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ترك التطوع بالصوم لأجل الغزو خشية أن يضعفه عن القتال، مع أنه في آخر عمره رجع إلى الغزو، فروى ابن سعد والحاكم وغيرهما من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ‏"‏ أن أبا طلحة قرأ ‏(‏انفروا خفافا وثقالا‏)‏ فقال‏:‏ استنفرنا الله شيوخا وشبانا جهزوني، فقال له بنوه‏:‏ نحن نغزو عنك، فأبى فجهزوه، فغزا في البحر فمات، فدفنوه بعد سبعة أيام ولم يتغير ‏"‏ قال المهلب‏:‏ مثل النبي صلى الله عليه وسلم المجاهد بالصائم لا يفطر، يعني كما تقدم في أول الجهاد فلذلك قدمه أبو طلحة على الصوم، فلما توطأ الإسلام وعلم أنه صار في سعة أراد أن يأخذ حظه من الصوم إذ فاته الغزو، وفيه أنه كان لا يرى بصيام الدهر بأسا‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع عند الحاكم في المستدرك من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ‏"‏ أن أبا طلحة أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى‏"‏‏.‏

وعلى الحاكم فيه مأخذان أحدهما أن أصله في البخاري فلا يستدرك، ثانيهما أن الزيادة في مقدار حياته بعد النبي صلى الله عليه وسلم غلط فإنه لم يقم بعده سوى ثلاث أو أربع وعشرين سنة‏.‏

فلعلها كانت أربعا وعشرين فتغيرت‏.‏

*3*باب الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشهادة سبع سوى القتل‏)‏ اختلف في سبب تسمية الشهيد شهيدا، فقال النضر بن شميل‏:‏ لأنه حي فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة‏.‏

وقال ابن الأنباري‏:‏ لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة‏.‏

وقيل لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة‏.‏

وقيل‏:‏ لأنه يشهد له بالأمان من النار‏.‏

وقيل لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا‏.‏

وقيل لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة‏.‏

وقيل لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل‏.‏

وقيل‏:‏ لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة‏.‏

وقيل‏:‏ لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع‏.‏

وقيل‏:‏ لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه‏.‏

وقيل‏:‏ لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره، وقيل‏:‏ لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا، ودار الآخرة، وقيل لأنه مشهود له بالأمان من النار، وقيل لأن عليه علامة شاهدة بأنه قد نجا‏.‏

وبعض هذه يختص بمي قتل في سبيل الله، وبعضها يعم غيره، وبعضها قد ينازع فيه‏.‏

وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مالك من رواية جابر بن عتيك بفتح المهلة وكسر المثناة بعدها تحتانية ساكنة ثم كاف ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ ما تعدون الشهيد فيكم‏؟‏ قالوا‏:‏ من يقتل في سبيل الله ‏"‏ وفيه ‏"‏ الشهداء سبعة ‏"‏ سوى القتل في سبيل الله، فذكر زيادة على حديث أبي هريرة الحريق، وصاحب ذات الجنب، والمرأة تموت بجمع‏.‏

وتوارد مع أبي هريرة في المبطون والمطعون والغريق وصاحب الهدم، فأما صاحب ذات الجنب فهو مرض معروف ويقال له الشوصة، وأما المرأة تموت بجمع فهو بضم الجيم وسكون الميم، وقد تفتح الجيم وتكسر أيضا وهي النفساء؛ وقيل التي يموت ولدها في بطنها ثم تموت بسبب ذلك، وقيل التي تموت بمزدلفة وهو خطأ ظاهر، وقيل التي تموت عذراء والأول أشهر‏.‏

قلت‏:‏ حديث جابر بن عتيك أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن حبان، وقد روى مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة شاهدا لحديث جابر بن عتيك ولفظه ‏"‏ ما تعدون الشهداء فيكم ‏"‏ وزاد فيه ونقص، في زيادته ‏"‏ ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ‏"‏ ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت نحوه حديث جابر بن عتيك ولفظه ‏"‏ وفي النفساء يقتلها ولدها جمعا شهادة ‏"‏ وله من حديث راشد بن حبيش نحوه وفيه ‏"‏ والسل ‏"‏ وهو بكسر المهملة وتشديد اللام، وللنسائي من حديث عقبة بن عامر ‏"‏ خمس من قبض فيهن فهو شهيد ‏"‏ فذكر فيهم النفساء وروى أصحاب السنن وصححه الترمذي من حديث ابن زيد مرفوعا ‏"‏ من قتل دون ماله فهو شهيد ‏"‏ وقال في الدين والدم والأهل مثل ذلك، وللنسائي من حديث سويد بن مقرن مرفوعا ‏"‏ من قتل دون مظلمته فهو شهيد ‏"‏ قال الإسماعيلي الترجمة مخالفة للحديث‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ لا تخرج هذه الترجمة من الحديث أصلا، وهذا يدل على أنه مات قبل أن يهذب كتابه‏.‏

وأجاب ابن المنير بأن ظاهر كلام ابن بطال أن البخاري أراد أن يدخل حديث جابر بن عتيك فأعجلته المنية عن ذلك، وفيه نظر، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون أراد التنبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل بل لها أسباب أخر وتلك الأسباب اختلفت الأحاديث في عددها ففي بعضها خمسة وفي بعضها سبعة، والذي وافق شرط البخاري الخمسة فنبه بترجمة على أن العدد الوارد ليس على معنى التحديد انتهى‏.‏

وقال بعض المتأخرين يحتمل أن يكون بعض الرواة - يعني رواة الخمسة - نسى الباقي‏.‏

قلت‏:‏ وهو احتمال بعيد، لكن يقربه ما تقدم من الزيادة في حديث أبي هريرة عند مسلم، وكذا وقع لأحمد من وجه آخر عنه ‏"‏ والمجنوب شهيد ‏"‏ يعني صاحب ذات الجنب، والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك‏.‏

وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة، فإن مجموع ما قدمته مما اشتملت عليه الأحاديث التي ذكرتها أربع عشرة خصلة، وتقدم في ‏"‏ باب من ينكب في سبيل الله ‏"‏ حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا ‏"‏ من وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله تعالى فهو شهيد ‏"‏ وصح الدار قطني من حديث ابن عمر ‏"‏ موت الغريب شهادة ‏"‏ ولابن حبان من حديث أبي هريرة ‏"‏ من مات مرابطا مات شهيدا ‏"‏ الحديث وللطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ المرء يموت على فراشه في سبيل الله شهيد ‏"‏ وقال ذلك أيضا في المبطون واللديغ والغريق والشريق والذي يفترسه السبع والخار عن دابته وصاحب الهدم وذات الجنب، ولأبي داود من حديث أم حرام ‏"‏ المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد‏"‏، وقد تقدمت أحاديث فيمن طلب الشهادة بنية صادقة أنه يكتب شهيدا في ‏"‏ باب تمني الشهادة ‏"‏ ويأتي في كتاب الطب حديث فيمن صبر في الطاعون أنه شهيد، وتقدم حديث عقبة بن عامر فيمن صرعته دابته وأنه عند الطبراني‏.‏

وعنده من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح ‏"‏ أن من يتردى من رءوس الجبال وتأكله السباع ويغرق في البحار لشهيد عند الله ‏"‏ ووردت أحاديث أخرى في أمور أخرى لم أعرج عليها لضعفها، قال ابن التين‏:‏ هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء‏.‏

قلت‏:‏ والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر الدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن حبشي، وابن ماجه من حديث عمرو بن عنبسة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الجهاد أفضل‏؟‏ قال‏:‏ من عقر جواده وأهريق دمه ‏"‏ وروى الحسن بن علي الحلواني في ‏"‏ كتاب المعرفة ‏"‏ له بإسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال ‏"‏ كل موته يموت بها المسلم فهو شهيد ‏"‏ غير أن الشهادة تتفاضل وسيأتي شرح كثير من هذه الأمراض المذكورة في كتاب الطب، وكذا الكلام على حديث أنس في الطاعون إن شاء الله تعالى‏.‏

ويتحصل مما ذكر في هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان‏:‏ شهيد الدنيا، وشهيد الآخرة وهو من يقتل في حرب الكفار مقبلا غير مدبر مخلصا‏.‏

وشهيد الآخرة وهو من ذكر، بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا‏.‏

وفي حديث العرباض بن سارية عند النسائي وأحمد ولأحمد من حديث عتبة بن عبد نحوه مرفوعا ‏"‏ يختصم الشهداء والمتوفون على الفراش في الذين يتوفون من الطاعون فيقول‏:‏ انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم معهم ومنهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم، وإذا تقرر ذلك فيكون إطلاق الشهداء على غير المقتول في سبيل الله مجازا، فيحتج به من يجيز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، والمانع يجيب بأنه من عموم المجاز فقد يطلق الشهيد على من قتل في حرب الكفار لكن لا يكون له ذلك في حكم الآخرة لعارض يمنعه كالانهزام وفساد النية والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏الشهداء خمسة - ثم قال - والشهيد في سبيل الله‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يلزم منه حمل الشيء على نفسه لأن قوله ‏"‏ خمسة ‏"‏ خبر للمبتدأ والمعدود بعده ببيان له، وأجاب بأنه من باب قول الشاعر ‏"‏ أنا أبو النجم وشعري شعري‏"‏‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد بالشهيد في سبيل الله المقتول، فكأنه قال والمقتول فعبر عنه بالشهيد، ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك ‏"‏ الشهداء سبعة سوى القتيل في سبيل الله ‏"‏ ويجوز أن يكون الشهيد مكررا في كل واحد منها فيكون من التفصيل بعد الإجمال والتقدير الشهداء خمسة الشهيد كذا والشهيد كذا إلى آخره‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ

غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورًا رَحِيمًا

الشرح‏:‏

قوله باب قول الله عز وجل‏:‏ ‏(‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر‏)‏ ذكر فيه حديثي البراء بن عازب وزيد بن ثابت في سبب نزولها، وفيه ذكر ابن أم مكتوم، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في تفسير سورة النساء‏.‏

*3*باب الصَّبْرِ عِنْدَ الْقِتَالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصبر عند القتال‏)‏ ذكر فيه طرفا من حديث ابن أبي أوفى، وقد تقدم التنبيه عليه قريبا‏.‏

*3*باب التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التحريض على القتال‏)‏ ذكر فيه حديث أنس في حفر الخندق، وسيأتي الكلام عليه مستوفا في المغازي‏.‏

وانتزاع الترجمة منه من جهة أن في مباشرته صلى الله عليه وسلم الحفر بنفسه تحريضا للمسلمين على العمل ليتأسوا به في ذلك‏.‏

*3*باب حَفْرِ الْخَنْدَقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حفر الخندق‏)‏ ذكر فيه حديث أنس من وجه آخر وسيأتي في المغازي، وسياقه هناك أتم، وذكر فيه حديث البراء بن عازب في ذلك من وجهين، ويأتي هناك شرحه مستوفى إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنْ الْغَزْوِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من حبسه العذر عن الغزو‏)‏ العذر الوصف الطارئ على المكلف المناسب للتسهيل عليه، ولم يذكر الجواب، وتقديره فله أجر الغازي إذا صدقت نيته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زهير‏)‏ هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي، وقرن روايته برواية حماد بن زيد مع أن في رواية زهير تعيين الغزوة وتصريح أنس بالتحديث، وفي كل منهما فائدة ليست في رواية حماد لكنه أراد أن زهيرا لم ينفرد بقوله ‏"‏ عن حميد عن أنس ‏"‏ وقد تابعهما على ترك الواسطة بين حميد وأنس معتمر بن سليمان وجماعة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ وَقَالَ مُوسَى حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الْأَوَّلُ أَصَحُّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏خلفنا‏)‏ بسكون اللام أي وراءنا، وضبطه بعضهم بتشديد اللام وسكون الفاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا وهم معنا فيه حبسهم العذر‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق أخرى عن حماد بن زيد ‏"‏ إلا وهم معكم فيه بالنية ‏"‏ ولابن حبان وأبي عوانة من حديث جابر، ‏"‏ إلا شركوكم في الأجر ‏"‏ بدل قول ‏"‏ إلا كانوا معكم ‏"‏ والمراد بالعذر ما هو أعم من المرض وعدم القدرة على السفر، وقد رواه مسلم من حديث جابر بلفظ ‏"‏ حبسهم المرض ‏"‏ وكأنه محمول على الأغلب، قوله‏:‏ ‏(‏وقال موسى‏)‏ أي ابن إسماعيل ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ هو ابن سلمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف ‏(‏الأول عندي أصح‏)‏ يعني حذف موسى بن أنس من الإسناد، وقد خالفه الإسماعيلي في ذلك فقال‏:‏ حماد عالم بحديث حميد مقدم فيه على غيره انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وإنما قال ذلك لتصريح حميد بتحديث أنس له كما تراه من رواية زهير، وكذلك قال معتمر‏.‏

قلت‏:‏ ولا مانع من أن يكونا محفوظين، فلعل حميدا سمعه من موسى عن أبيه، ثم لقي أنسا فحدثه به، أو سمعه من أنس فثبته فيه ابنه موسى، ويؤيه ذلك أن سياق حماد عن حميد أتم من سياق زهير ومن وافقه عن حميد، فقد أخرجه أبو داود عن موسى ابن إسماعيل بالإسناد المذكور بلفظ ‏"‏ لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سر تم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه‏.‏

قالوا‏:‏ يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة‏؟‏ قال‏:‏ حبسهم العذر، وكذلك أورده أحمد عن عفان عن حماد، وأخرجه عن أبي كامل عن حماد فلم يذكر في الإسناد حميدا‏.‏

نعم أخرجه أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس نحو سياق حماد إلا أنه لم يذكر النفقة، قال المهلب‏:‏ يشهد لهذا الحديث قوله تعالى ‏(‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر‏)‏ الآية فإنه فاضل بين المجاهدين والقاعدين ثم استثنى أولي الضرر من القاعدين فكأنه ألحقهم بالفاضلين‏.‏

وفيه أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل‏.‏